
في كلمات قليلة
كشفت دراسة دولية واسعة النطاق أن هيمنة الذكور في عالم الرئيسيات ليست حقيقة مطلقة كما كان يُعتقد. أظهر التحليل أن الإناث غالباً ما تتساوى في القوة مع الذكور أو حتى تتفوق عليهم، مما يتحدى المفاهيم البيولوجية القديمة.
هل كانت فكرة الهيمنة الذكورية المطلقة في عالم الحيوان مجرد أسطورة؟ لعقود طويلة، روّج علم الأحياء التطوري لفكرة أن الذكور لدى الثدييات، وخاصة الرئيسيات، يهيمنون بشكل طبيعي على الإناث. لكن هذه الرؤية، التي تشكلت بفعل ملاحظات جزئية وتحيزات ثقافية، بدأت تتهاوى الآن تحت وطأة دراسة واسعة النطاق.
أجرى فريق دولي من الباحثين دراسة حديثة حللت أكثر من 250 مجتمعًا حيوانيًا ينتمون إلى 121 نوعًا من الرئيسيات، وكشفت عن واقع أكثر تعقيدًا بكثير. فقد تبين أن المواجهات بين الذكور والإناث شائعة، وأن الإناث لسن الطرف الخاسر دائمًا. في غالبية الحالات، تكون موازين القوى متشاركة، بل وأحيانًا تنقلب لصالح الإناث.
منذ الاكتشافات الأولى للمجتمعات الأمومية لدى حيوانات الليمور أو الضباع، شك العلماء في أن الإناث قد يهيمنّ في بعض الأحيان. لكن لم تكن هناك بيانات كافية لقياس حجم هذه الظاهرة بدقة. الآن، تم سد هذه الفجوة المعرفية.
قام الباحثون بتجميع بيانات من 253 مجتمعًا حيوانيًا، بهدف فهم وتيرة الظروف التي يتفوق فيها أحد الجنسين على الآخر أثناء النزاعات. وماذا كانت النتيجة؟ في حوالي 70% من الحالات، يفوز كلا الجنسين بالصراعات بشكل متقطع على الأقل. أما الهيمنة الذكورية الصارمة (حيث يفوز الذكور بأكثر من 90% من النزاعات) فقد لوحظت في 17% فقط من المجتمعات، وتقتصر بشكل شبه كامل على القردة العليا والقردة الأفريقية والآسيوية. في المقابل، شكلت الهيمنة الأنثوية الصارمة 13% من الحالات، غالبيتها لدى حيوانات الليمور.
لتفسير هذه الاختلافات، اختبر الباحثون خمس فرضيات تطورية، برزت منها اثنتان بشكل خاص. الفرضية الأولى تسلط الضوء على السيطرة الإنجابية التي تمارسها الإناث. في الأنواع الأحادية الزواج أو التي تتحكم فيها الإناث بالتكاثر، كانت هيمنة الإناث أكثر شيوعًا بشكل ملحوظ. ومن اللافت للنظر أنه لم يتم تسجيل أي حالة من الهيمنة الذكورية المطلقة في الأنواع الأحادية الزواج.
أما الفرضية الثانية، فربطت هيمنة الإناث بالمنافسة الشديدة بينهن. هذا هو الحال بشكل خاص في الأنواع التي تعيش في أزواج أو بشكل منفرد، حيث لا تطيق الإناث وجود بعضهن البعض. في هذه الظروف، تفوز الإناث بنسبة تصل إلى 92% من النزاعات ضد الذكور.
من خلال الكشف عن التنوع الهائل في ديناميكيات القوة بين الجنسين، تلقي هذه الدراسة بظلال من الشك على الأفكار المسبقة. ورغم أنها لا تدعي تقديم إجابة نهائية، إلا أنها تشكل حجر زاوية أساسيًا لفهم أفضل لتطور علاقات الهيمنة لدى الرئيسيات، وتدعونا إلى إعادة النظر في ما كنا نعتقده "طبيعيًا" على ضوء الحقائق العلمية.