
في كلمات قليلة
فرنسا تحتل المركز الأول في أوروبا للاستثمارات الأجنبية للعام السادس على التوالي، لكن عدد المشاريع الاستثمارية تراجع بشكل ملحوظ. يعزو الخبراء ذلك إلى تباطؤ النمو في أوروبا وتأثير الحوافز الأمريكية. قطاعات مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي تشهد نمواً قوياً، لكن المستثمرين قلقون بشأن مستوى الضرائب في فرنسا.
وفقاً لآخر تحليل أجرته شركة الاستشارات الدولية EY، لا تزال فرنسا الوجهة الأولى للاستثمارات الأجنبية المباشرة في أوروبا للعام السادس على التوالي. ورغم تفوقها على المملكة المتحدة وألمانيا من حيث إجمالي عدد المشاريع، إلا أن عدد المشاريع الاستثمارية الجديدة انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أربع سنوات.
يشير خبراء EY إلى أن عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي في أوروبا يتراجع بشكل عام، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 5% بين عامي 2023 و2024. ويعود هذا التباطؤ في جزء كبير منه إلى غياب النمو الاقتصادي في أوروبا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يصفه مارك ليرميت من EY بأنه "يُنهِك حتى الشركات الأكثر جرأة وقوة".
كما تلعب سياسات الولايات المتحدة دوراً كبيراً في هذا التراجع. فبرنامج إدارة بايدن، المعروف باسم "قانون خفض التضخم" (IRA)، يقدم حوافز ضريبية كبيرة وطاقة تنافسية للغاية (مثل الغاز الصخري)، مما يشجع الشركات الأمريكية على الاستثمار داخل الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، فإن 50% من الاستثمارات الأمريكية التي كانت تُنفّذ في أوروبا عام 2021 لم تعد تتحقق في عام 2024، مما يؤثر بشكل كبير على الاقتصادات الأوروبية الكبرى.
ينظر المستثمرون الأمريكيون أيضاً إلى أوروبا على أنها منطقة معقدة ومزعجة إلى حد ما، تعاني من بطء النمو وصعوبة الوصول إلى أسواقها. حالة عدم اليقين المرتبطة باحتمالية فرض رسوم جمركية مرتفعة في الولايات المتحدة تدفع الشركات، مثل سانوفي، إلى اعتبار التوسع والإنتاج في أمريكا "غريزة بقاء" لحماية أكبر سوق عالمي لها.
ومع ذلك، لا تزال أوروبا محل تقدير من قبل المستثمرين لكونها "منطقة قانون" تتميز بالشفافية والاستقرار، مما يوفر أرضية صلبة في أوقات الأزمات.
تُظهر البيانات أن بعض القطاعات في فرنسا تواجه تحديات بينما يزدهر البعض الآخر. صناعات تقليدية ومهمة تاريخياً مثل السيارات (التي تمر بمرحلة انتقال نحو الكهرباء وتواجه منافسة صينية قوية) والصناعات الكيميائية (بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة مقارنة بالولايات المتحدة ومناطق أخرى) تشهد تراجعاً في جذب الاستثمارات.
في المقابل، هناك قطاعات مستقبلية تشهد أداءً قوياً وجاذبية متزايدة. تتصدر فرنسا أوروبا في مشاريع الاستثمار في قطاع الطاقة، خاصة الطاقة المتجددة، بأكثر من 70 مشروعاً. كما يحقق قطاع الذكاء الاصطناعي (AI) نتائج ممتازة بأكثر من 40 مشروعاً، مما يؤكد تقدم فرنسا في هذين المجالين الاستراتيجيين.
تشير التحليلات إلى أن معظم المشاريع الاستثمارية في فرنسا حالياً هي عبارة عن توسيع للمواقع القائمة وليست إنشاءات جديدة بالكامل. ويرجع ذلك جزئياً إلى عوامل مثل تكلفة الرواتب والقوانين الاجتماعية التي تجعل الشركات حذرة من المشاريع الكبيرة، خاصة في ظل بيئة اقتصادية تفتقر إلى النمو القوي.
أصبح المستثمرون أكثر ثقة مما كانوا عليه في أواخر العام الماضي بعد فترة من عدم اليقين السياسي، لكنهم يظلون "يقظين للغاية"، خاصة فيما يتعلق بالضرائب. فرنسا، ورغم كونها رائدة في الجاذبية، فهي أيضاً رائدة في مستوى الضرائب بأوروبا. يؤكد الخبراء على ضرورة "الحذر الشديد من إضافة مزيد من الضرائب لضمان عودة النمو والاستثمارات"، وهي رسالة هامة تتردد في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الفرنسية لإعداد ميزانية عام 2026.