لماذا نشعر بالحرج في المصعد؟ علماء الاجتماع يجيبون

لماذا نشعر بالحرج في المصعد؟ علماء الاجتماع يجيبون

في كلمات قليلة

يشرح المقال الأسباب الاجتماعية والنفسية وراء الشعور بالضيق وعدم الراحة في المصاعد المزدحمة. يستند إلى آراء خبراء في علم الاجتماع، موضحًا أن هذا الشعور ينبع من انتهاك المساحة الشخصية والحاجة إلى اتباع طقوس اجتماعية ضمنية مثل "التغافل المدني" للتعامل مع هذا الموقف.


المصعد ممتلئ. تحاول تفادي الزحام بالصعود مبكرًا أو متأخرًا، لكن المشكلة تظل قائمة: عليك أن تجد لنفسك مكانًا بين شخصين، وتتأكد بحركة بهلوانية أن زر الطابق الذي تعمل فيه قد تم ضغطه، ثم تنتظر. أحيانًا، يقتحم شخص متأخر الأبواب، مما يزيد من تقارب الأجساد وتتجهم الوجوه، ويستنزف ما تبقى من صبرك قبل أن تبدأ الرحلة القصيرة والمؤرقة.

يبدو الوقت طويلًا بشكل لا يصدق في هذا الجمود، حيث تشعر بأنفاس الآخرين، وتلاحظ من يبحث عن تواصل بصري ومن يتجنبه بحذر. لكن، ما هو مصدر هذا الشعور المستمر بالضيق في مكان نستخدمه يوميًا؟

يوضح أنتوني مايه، الحاصل على دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة باريس ديكارت، أن المصعد هو "فضاء عام مقيّد". ويضيف: "أظهرت الدراسات أن تفاعلاتنا الاجتماعية في الأماكن العامة الضيقة، مثل المترو أو المصعد، تخضع لقواعد ضمنية ومعقدة". ينشأ الانزعاج من غياب المسافة الاجتماعية والمادية، وهو أمر يتعارض مع ثقافتنا التي تتجنب الاحتكاك الجسدي أو الاقتراب المفرط من الغرباء.

"التغافل المدني"

يوضح مايه: "هذا الفضاء العام المحصور يضعنا في وضع غامض. عادةً، نحافظ على مسافات معينة مع من نعرفهم، لكن ما يسبب الإحراج هو هذا الاقتحام للخصوصية الذي يجبرنا على الانتباه للآخرين". في المصعد، لا مفر من هذا الموقف. لكن، هل هناك مخرج؟

بعد الشعور بالارتباك، نلجأ إلى طقوس اجتماعية معينة. يوضح الباحث: "نلقي التحية، نتبادل عبارات عابرة حول الطقس، أو نبتسم ابتسامات مصطنعة". الهدف هو إيجاد توازن لملء هذا الفراغ، بدلًا من التجاهل التام أو التطفل. هذا ما أطلق عليه عالم الاجتماع الأمريكي إرفينج جوفمان اسم "التغافل المدني" (Civil Inattention). إنها طريقة لإظهار أنك لاحظت وجود الآخرين، دون تطفل أو ألفة زائدة.

من خلال هذه الطقوس، يعترف كل شخص بوجود الآخرين بطريقة متحفظة. كما يسمح "التغافل المدني" بخلق مسافة اجتماعية إضافية إذا كان سلوك أحدهم مزعجًا. ولكن في عصر الرقمنة، ألا تخلق سماعات الرأس وشاشات الهواتف حالة من اللامبالاة؟

وماذا عن السلالم؟

"لا يجب أن نخطئ في التفسير"، يقول مايه. "لا ينبغي اعتبار استخدام سماعات الرأس أو الهاتف الذكي إهانة. فالشخص يدرك تمامًا وجودك". كرس الأنثروبولوجي الأمريكي إدوارد تي هول أبحاثه لدراسة المسافة الجسدية وكيفية شغلنا للمساحة بحضور الآخرين، وهو ما يُعرف بـ"البروكسيميكا". الأدوات التكنولوجية اليوم تشكل طريقتنا في التواصل. فعندما ينهمك شخص في هاتفه، فإنه يظهر احترامه عبر "التغافل المدني" لأنه لا يزعج الآخرين، وبالتالي لا يشكل تهديدًا للتوازن الاجتماعي.

ولكن إذا استمر الشعور بالضيق وظلت رحلة المصعد لغزًا بالنسبة لك، يبقى دائمًا خيار استخدام السلالم. قد يتحول الأمر إلى سباق غير معلن مع مديرك، أو فرصة لمناقشة عفوية حول مشروع ما!

نبذة عن المؤلف

كريستينا - صحفية تكتب عن التنوع الثقافي في فرنسا. تكشف مقالاتها عن الخصائص الفريدة للمجتمع الفرنسي وتقاليده.