
في كلمات قليلة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50% لأسباب تتعلق بالأمن القومي ودعم الصناعة المحلية. يأتي هذا التصعيد قبل ساعات من مفاوضات تجارية مهمة في باريس مع الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين.
في خطوة تصعيدية جديدة ضمن "الحرب التجارية" العالمية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء عن مضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم لتصل إلى 50%. يأتي هذا القرار الحاد قبل ساعات قليلة من بدء جولة مفاوضات تجارية مرتقبة في العاصمة الفرنسية باريس، تجمع ممثلين عن الولايات المتحدة وعدد من شركائها التجاريين الرئيسيين.
برر الرئيس ترامب هذا الرفع الكبير في الرسوم، الذي دخل حيز التنفيذ بموجب مرسوم رئاسي نُشر يوم الثلاثاء وبدأ سريانه في الساعة 00:01 بالتوقيت المحلي، بالرغبة في "ضمان أن [الواردات] لن تعرض الأمن القومي للخطر". وأضاف نص المرسوم التفسير التالي: "على الرغم من أن الرسوم الجمركية المفروضة حتى الآن قدمت دعماً أساسياً للأسعار في السوق الأمريكية، إلا أنها لم تسمح لهذه الصناعات بتطوير والحفاظ على معدل استخدام للقدرات الإنتاجية كافٍ لاستدامتها وفيما يتعلق باحتياجات الدفاع الوطني".
تجدر الإشارة إلى أن قطاعي الصلب والألومنيوم كانا من أوائل القطاعات التي استهدفها دونالد ترامب بالرسوم الجمركية، حيث دخلت زيادة بنسبة 25% على هذه الواردات حيز التنفيذ منذ 12 مارس 2018، في مسعى معلن لتشجيع الاستثمارات والصناعة المحلية. وتعد هذه الرسوم الجمركية القطاعية المحددة، والتي طُبقت أيضاً على صناعة السيارات ومن المتوقع أن تشمل قريباً المنتجات الصيدلانية وأشباه الموصلات، هي الاستثناء الوحيد الذي لم يتأثر بقرار قضائي حديث ألغى الرسوم الجمركية التي كانت تُطبق بشكل عام وغير تمييزي.
يصاحب هذا التصعيد الجديد في التوترات الجمركية انعقاد اجتماع مهم في باريس بين الممثل التجاري للبيت الأبيض (USTR) جيمسون جرير والمفوض الأوروبي للتجارة ماروش شيفشوفيتش، على هامش اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الذي يُختتم يوم الأربعاء. من المتوقع أن تكون هذه المناقشات شاقة ومشحونة، خاصة في ظل التهديدات الأخيرة التي وجهها ترامب للاتحاد الأوروبي بفرض رسوم إضافية بنسبة 50%، متهماً التكتل بعدم الجدية في المفاوضات.
كما تأتي هذه التطورات في سياق زمني حرج، حيث يقترب موعد انتهاء مهلة التسعين يوماً، التي أُعلن عنها كـ "توقف مؤقت" عقب فرض ما سمي بالرسوم الجمركية "المتبادلة". أكدت كارولين ليفيت، المسؤولة في البيت الأبيض، يوم الثلاثاء أن مكتب الممثل التجاري الأمريكي "USTR أرسل (رسالة) إلى جميع شركائنا التجاريين لتذكيرهم ودياً باقتراب الموعد النهائي".
من جانبها، كانت أوروبا قد أعلنت مسبقاً عن استعدادها لاتخاذ إجراءات رد قوية ومناسبة في حال تم استهدافها بشكل خاص بزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية. على هامش اجتماع OECD في باريس، أعلن السيد جرير أيضاً عن نيته الاجتماع بنظرائه من فيتنام وماليزيا.
إضافة إلى ذلك، عُقد يوم الأربعاء الساعة 7:00 صباحاً بالتوقيت المحلي اجتماع لممثلي التجارة لمجموعة الدول السبع الكبرى (G7) التي تضم ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا، اليابان، والمملكة المتحدة. جرى الاجتماع في الممثلية الكندية لدى OECD، وذلك قبل أقل من أسبوعين من قمة رؤساء الدول والحكومات لمجموعة السبع، المقرر عقدها في الفترة من 15 إلى 17 يونيو في جبال روكي الكندية.
علّقت وزيرة الاقتصاد الألمانية كاثرينا رايشي يوم الثلاثاء على هامش المؤتمر قائلة: "يجب أن نصل إلى حلول تفاوضية، وبأسرع وقت ممكن، فالوقت يضغط".
من جانبه، قال الوزير الفرنسي المنتدب للتجارة الخارجية لوران سانت مارتن، الذي حضر أيضاً اجتماع OECD: "يجب الحفاظ على الهدوء وإظهار دائماً أن تطبيق هذه الرسوم الجمركية ليس في مصلحة أحد، بدءاً بالاقتصاد الأمريكي".
تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الآن تباطؤاً ملحوظاً في النمو الاقتصادي العالمي لهذا العام، حيث خفضت توقعاتها إلى 1.6% مقارنة بـ 2.4% قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وعزت ذلك مباشرة إلى الهجمات الجمركية التي يشنها.
يستمر عدم اليقين المرتبط بالنزاعات التجارية في إلقاء بظلاله على الاقتصاد العالمي. ففي الأسبوع الماضي، جدد الرئيس الأمريكي اتهاماته للصين بعدم الالتزام ببنود اتفاق خفض التصعيد التجاري الذي تم توقيعه في منتصف مايو الماضي في جنيف (سويسرا)، وهدد بإعادة إشعال فتيل الحرب التجارية. ويعود السبب، وفقاً لواشنطن، إلى التباطؤ في الموافقة على صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة. لكن نائب وزير الخزانة الأمريكي مايكل فولكيندر أكد يوم الاثنين أن المفاوضات مع بكين "تسير بشكل جيد".
وكان البيت الأبيض قد أعلن يوم الثلاثاء أن دونالد ترامب يأمل في إجراء محادثات مع نظيره الصيني شي جين بينغ، "ربما هذا الأسبوع".
بدأت الرسوم الجمركية المفروضة تظهر تأثيراتها على النشاط الاقتصادي، حيث سجلت تراجعاً في الثقة وتجميداً في الاستثمارات وارتفاعاً في الأسعار. وعلى الرغم من أن الرسوم الأمريكية الإضافية التي دخلت حيز التنفيذ في 12 مارس وتم رفعها بشكل إضافي يوم الأربعاء 4 يونيو ليست بلا عواقب، فإن التقديرات تشير إلى أن التأثير المباشر على منتجي الصلب الأوروبيين، والفرنسيين على وجه الخصوص، من المتوقع أن يبقى معتدلاً نسبياً حتى الآن.